خاطرة :إضافة بعد حدوث بعض المستجدات
كتبت كلماتي هذه بين أروقة المستشفى فبعد أن قررت كتابة قصتي مع سرطان الثدي في شهر أكتوبر عام ٢٠١٨، ظهرت عليّ بعض الأعراض المقلقة و احتجت عمل عدة فحوصات للاطمئنان. فترة إجراء الفحوصات هذه المرة لم تكن سهلة عليّ، وقلبي يتأرجح بين الخوف و الرجاء و القلق بالذات عندما أنظر إلى أبنائي أدعو الله من أعماق قلبي أن يسلمني من كل شر وأن يطيل عمري من أجلهم ومن أجل جميع أحبتي.
كان شهر ديسمبر هذه المرة ذا شجون.فمنذ أشهر، شعرت بوخزات مؤلمة في ثديي الأيسر مع بعض التغيرات في الجلد والآلام في العظام ولدي طفل رضيع يبلغ من العمر ستة أشهر وآخر يبلغ من العمر عامين ونصف تقريباً، وزوجي سيسافر في الرابع من شهر يناير وموعد أشعة الرنين المغناطيسي هوّ السابع و العشرون من ديسمبر، ذلك التاريخ الذي أتذكر فيه تشخيصي بسرطان الثدي منذ أربعة عشر عاماً. هذه الأحداث مجتمعة جعلتني أشعر بالخوف لأنها متطابقة مع أحداث تشخيصي بالتواريخ ونفس المستشفيات ،حتى أعمار أبنائي الصغار(مثلما ذكرت في الحلقة الأولى والثانية)،هذه المصادفة التي قدرها الله تعالى جعلتني استعرض شريط الذكريات التي حدثت لي منذ أربعة عشر عاماً، ذكريات صراعي مع سرطان الثدي.
أثار خوفي أيضاً نتيجة فحص رنين مغناطيسي للدماغ ، قمت بإجرائه ،بسبب عدة أعراض مررت بها الفترة الماضية وكانت النتيجة وجود اثنين من الأورام. استلمت التقرير و قمت بقراءته وحدي وضاقت بي َّالأرض بما رحبت فكلمة ورم- أياً كان نوعه -تثير الرعب في نفسي. رآني صغيري محمد قال لي " ماما ما أبغى وجهك يكون كده تعبانة وزعلانة،أبغاك تكوني مبسوطة. ماما كوني فرحانة"، أسعدتني كلماته، بل أذابت قلبي ذوباناً ، فتماسكت أمام الصغير وأظهرت الفرح أمامه وقلبي يتأرجح بين سعادتي بكلماته و قلقي من التقرير. بكى قلبي من الداخل و سأل الله أن لا يعيد الأحزان من أجل قلب محمد الصغير لكي يراني" مبسوطة وفرحانة".
بالنسبة للأورام ،الحمدلله طمأنني الأطباء أنه مبدأياً هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على احتمالية أن تكون هذه الأورام حميدة بأمر الله وليست خبيثة، لكن بسبب تاريخي المرضي والأُسَري ووجود تغيرات في الثدي، لن نستطيع أن نأمن جانبها و سنعيد الرنين المغناطيسي لمتابعتها للتأكد أنها فعلاً حميدة لأنه يُخشى في مثل حالتك أن يكون هناك ورم جديد في الثدي قد تعدى ووصل للدماغ. و بالنسبة للتغيرات و الأعراض التي لاحظتها فيجب أن أقوم بإعادة الفحص مجدداً للاطمئنان،
عادتي في الأمور الصحية المعقدة أحب أخذ رأي ثاني ليطمئن قلبي. ربما أيضاً لأنني لا أقتنع بسهولة لأن والدتي رحمها الله ووالدي حفظه الله أطباء استشاريين وأسرتي تعج بالأطباء ماشاء الله. لكني أتساءل واستغرب كثيراً من موقف بعض الأطباء، مثل تلك الطبيبة التي قابلتها قبل أربعة عشر عام ورفضت عمل أشعة الموجات فوق الصوتية ( التفاصيل في الحلقة الأولى )، ماذا كانت ستخسر؟ لاشئ، أما أنا فلولا فضل الله وعنايته لكنت في عداد الموتى ولخسرت حياتي لا قدر الله، إذا كنت اتبعت رأيها بسبب عدم التشخيص المبكر لمرض سرطان الثدي.
وفِي هذه الأيام أمر بتجارب مشابهة مع أطبائي فمنهم من قال لي ننتظر ستة أشهر أو " أنسي الموضوع و حانعيد الرنين بس لأنك قلقانة"!!!!!! أتفهم رأي الانتظار لمدة ستة أشهر و لكني لا أستطيع استيعاب قول من طلب مني نسيان الموضوع! سألتهم وهل تضمنون أن هذه الأورام حميدة مئة بالمئة أو أن هذه الأعراض ليس لها علاقة بالسرطان لكي أطمئن و أنساها و " أطنش"؟ طبعاً أجابو بلا ،فلا شئ مضمون في الطب مئة بالمئة و الضامن هوَّ الله. إذا كان الموضوع ليس مضموناً مئة بالمئة فكيف تطلبون مني أن "أطنش و أنسى"، فلماذا لا نعيد الفحص أو نأخذ عينة أو حتى نزيل الورم( وهذا كان الرأي الثاني الذي أخذته والحمدلله أنني أخذته)،لماذا نبقى على الشك في أمر خطير فهذا سرطان و ليس نزلة برد أو زكام.قال أحدهم ( و العلم عند الله)، يمكنني أن افترض أن الورم حميد بنسبة ثمانين بالمئة و خبيث لا قدر الله بنسبة عشرون بالمئة، وهل العشرون بالمئة نسبة بسيطة لمرض خطير؟ التكلفة المادية أو المعنوية التي ستتكبدها المستشفى بحجز موعد لعمل فحص أو إجراء طبي إضافي للاطمئنان ستكون أقل بكثير من تكلفة علاج السرطان إذا تبين أن هناك سرطان لاسمح الله، الوقاية تكلف أقل بكثير من العلاج جهداً ووقتاً وصدق من قال: الوقاية خير من العلاج.
كان أحد أطبائي في كندا يقول لي بالنسبة لسيدة مثلك عوامل الخطورة لديها مرتفعة، إذا ظهرت عليك أي أعراض مقلقة فسنعتبر أن هناك مشكلة ما يثبت خلاف ذلك. وهذه القاعدة التي اتبعها مهما قال الأطباء من حقي الاطمئنان والمحافظة على حياتي. الأطباء وما يقولونه " على عيني و رأسي" لكن الأطباء بشر تارة يصيبون و تارة يخطأون وليسو معصومين من الخطأ وهذا ما كانت تردده أمي رحمها الله تعالى وهيَّ طبيبة ماهرة، قد يخطأ الطبيب و يكون المريض على حق و لقد حصل لي ذلك مراراً وتكرارً خلال السنوات الماضية و سأكتب عن ذلك بالتفصيل في الحلقات القادمة.
أتفهم أن الطب مدارس وآراء و لا أقلل من كفاءة أطبائي،فكلهم مشهود لهم بالمهارة و الخبرة، فهم بالتأكيد يستندون في أي قرار لهم على أدلة علمية وتجارب عملية معروفة عالمياً لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان الخيار الأضمن موجود لماذا لا نلجأ له بعد الله تعالى؟
بالنسبة لحالتي يوجد ثلاث خيارات طبية وواحد منهم وإن كان أصعب سيكون أضمن بعد الله تعالى، العينة و الجراحة. من المهم أن يعرض الطبيب للمريض كل الخيارات المتاحة و يحترم رغبة المريض وما يجعل قلبه مطمئناً.
عندما أعدت التأمل في اجتماع الأحداث في الشهر الماضي وعندما بدأ التشاؤم يدق بابي،استعذت بالله تعالى و تفاءلت بالخير، وواجهت هذه الأفكار قائلة لنفسي: ألم يكرمك الله تعالى و ينجيك أربعة عشر عاماً مضت ماشاء الله، وكان يأتي السابع و العشرون من ديسمبر كل عام ويمر بسلام بفضله تعالى دون تشخيص جديد، ألم يمد الله في عمرك لتربي أبناءك وأكرمك برؤيتهم يكبرون بعد أن كنت تخافين الرحيل إذا لم يتم شفاؤك عندما كانوا صغاراً.الحمدلله دائماً و أبداً الذي أكرمني بالصحة و العافية، أسأله أن يديمها كما أدامها أعواماً خلت.
ملاحظة:لكتابة تعليق الرجاء الضغط على عنوان المقال بالأعلى أو كلمة تعليقات أسفل المقال ليظهر المكان المخصص للتعليقات.
ملاحظة:لكتابة تعليق الرجاء الضغط على عنوان المقال بالأعلى أو كلمة تعليقات أسفل المقال ليظهر المكان المخصص للتعليقات.

ملاحظة:لكتابة تعليق الرجاء الضغط على عنوان المقال بالأعلى أو كلمة تعليقات أسفل المقال ليظهر المكان المخصص للتعليقات.
ردحذف