الخميس، 24 يناير 2019

افتح يا قلبي أبوابك


💚افتح يا قلبي أبوابك💚


ألهمني حب صغيري محمد لبرنامج افتح ياسمسم لكتابة قصيدة أسميتها" افتح ياقلبي أبوابك" .الجدير بالذكر أن هذه أول قصيدة أكتبها منذ سنوات، آخر قصيدة كتبتها على ما أذكر منذ خمسة عشر عاماً أو ربما حتى عشرون عام.

بعد تدويناتي في قسم شتاء في ربيع العمر في مدونتي هذه والتي كانت ذات طابع حزين لقصتي مع سرطان الثدي، قررت نشر تدوينة تعلوها البهجة،بناءاً على اقتراح العديد من القراء. ولعل المشاعر المختلفة تكون محركاً للكتابة و الإبداع، بما فيها مشاعر الحزن! 

القصيدة لم يتم وزنها حسب علم العروض والقافية، لكن تم تلحينها لضبط الوزن والإيقاع سماعياً، أهم مافي الموضوع أنها كتبت بصدق من أعماق قلبي المحب لأبنائي حفظهم الله ورعاهم. 

لا أنسى أن معلمتي الغالية معلمة فاطمة باجبير حاولت مساعدتي في تعلم علم العروض و القافية وأهدتني كتاب د.عبدالعزيز عتيق و أنا في المرحلة المتوسطة.
تم تلحين القصيدة  ونحن نركض بين الأراجيح و الألعاب،وأنا أحاول مساعدة صغيري في بناء علاقة إيجابية مع" الزحليقة".

المضحك في الموضوع، عندما سمعها صغيري محمد طلب مشاهدتها على التلفاز فحاولت أن أشرح له أنني قمت بتأليفها وتلحينها وأنها ليست موجودة على التلفاز فقال " لا لا خلي راشد و أمل يغنوها".


💚افتح يا قلبي أبوابك💚
  

هاهوّ ذَا طفلي يتمتم
و ينادي افتح ياسمسم 
💚
و يشاهد راشد أو إلمو 
أو شمسًا أو قصة ديسم
💚
ويحدث نعماناً تارة
وأمل ٌتحكي قصة نمنم
💚
أو يضحك فرحاً مع كعكي
أو يسمع جرجور يغمغم 
💚
ها هوّ يشدو نغماً حلواً
و بعذب الكلمات ترنم
.💚.
هاهو ذَا يأسر لبي
ويذيب القلب إذا سلّم
💚
هاهوّ ذا يرسم حلماً
ويضئ الليل إذا أظلم 
💚
أبنائي يا روح فؤادي
في حبكم قلبي متيم
💚
 أنتم  قمر في الظلماء  
والحب منكم أستلهم 
💚
أنتم كنز ٌ أنتم ذهبٌ
أنتم ماس لا بل منجم
💚
من روحي  فخذوا كلماتي
بمداد القلب لكم  ترسم 
💚
مقدمكم لحياتي أمل 
وسعادة أيام تُرسم
💚
يا بني  فلتبقَ  سعيداً
انشر بهجتك و لاتندم
💚
اقفز فَرحاً  اجرِ مَرحاً
بجميل زمانٍ فلتحلم
💚
يابني يافرحة عمري
يا نبض القلب ألا تعلم
💚
أنك نور أنك وهجٌ
بل أنت حياتي والمغنم
💚
أنك غيث يسقي روحي
لجروحي شفاء ٌوالبلسم
💚
أنك أنت شمس حياتي
بدد غيم شتاء ٍمعتم  
💚
بسمتك الحلوة تسحرني
ودروساً منها أتعلم 
💚
و أرى في عينيك  جمالاً
لمعاني الحب هوّ الملهم
💚
يا بني فلتبق َ قوياً
بقوة إيمان ٍلن تهزم 
💚
وتحلى بكريم سجايا
أنك أنت ولدي المسلم 
💚
وكتاب الله نبراسٌ 
فتعهده هيا و أقدم
💚 
ولترقى دوماً للعليا
وليهنأ عيشك و لتغنم
💚
يا بني ّ فلتحيا سعيدا 
وفي  الدارين فلتنعم
💚
فلتحيا مرفوع الرأس
يابنيّ الغالي فلتسم


All Rights Reserved نهى عبد الغفار ©Copyright.

حقوق  النسخ والطبع و النشر و الاقتباس محفوظة لمدونة شغف الروح وللكاتبة. عند النسخ أو الاقتباس الرجاء نسبة القصيدة للكاتبة.
تحت طائلة المسؤولية







ملاحظة:لكتابة تعليق الرجاء الضغط على عنوان المقال بالأعلى أو كلمة تعليقات أسفل المقال ليظهر المكان المخصص للتعليقات.









الأربعاء، 23 يناير 2019

خاطرة :إضافة بعد حدوث بعض المستجدات

خاطرة :إضافة بعد حدوث بعض المستجدات

كتبت كلماتي هذه بين أروقة المستشفى فبعد أن قررت كتابة قصتي مع سرطان الثدي في شهر أكتوبر  عام ٢٠١٨، ظهرت عليّ بعض الأعراض المقلقة و احتجت عمل عدة فحوصات للاطمئنان. فترة إجراء الفحوصات هذه المرة لم تكن سهلة عليّ، وقلبي يتأرجح بين الخوف و الرجاء و القلق بالذات عندما أنظر إلى أبنائي أدعو الله من أعماق قلبي أن يسلمني من كل شر وأن يطيل عمري من أجلهم ومن أجل جميع أحبتي.
كان شهر ديسمبر هذه المرة ذا شجون.فمنذ أشهر، شعرت بوخزات مؤلمة في ثديي الأيسر مع بعض التغيرات في الجلد والآلام في العظام ولدي طفل رضيع يبلغ من العمر ستة أشهر وآخر يبلغ من العمر عامين ونصف تقريباً،  وزوجي سيسافر في الرابع من شهر يناير وموعد أشعة الرنين المغناطيسي هوّ السابع و العشرون من ديسمبر، ذلك التاريخ الذي أتذكر فيه تشخيصي بسرطان الثدي منذ أربعة عشر عاماً. هذه الأحداث مجتمعة جعلتني أشعر بالخوف لأنها متطابقة مع أحداث تشخيصي بالتواريخ ونفس المستشفيات ،حتى أعمار أبنائي الصغار(مثلما ذكرت في الحلقة الأولى والثانية)،هذه المصادفة التي قدرها الله تعالى جعلتني استعرض شريط الذكريات التي حدثت لي منذ أربعة عشر عاماً، ذكريات صراعي مع سرطان الثدي.

أثار خوفي أيضاً نتيجة فحص رنين مغناطيسي للدماغ ، قمت بإجرائه ،بسبب عدة أعراض مررت بها الفترة الماضية وكانت النتيجة وجود اثنين من الأورام. استلمت التقرير و قمت بقراءته وحدي وضاقت بي َّالأرض بما رحبت فكلمة ورم- أياً كان نوعه -تثير الرعب في نفسي. رآني صغيري محمد قال لي " ماما ما أبغى وجهك يكون كده تعبانة وزعلانة،أبغاك تكوني مبسوطة. ماما كوني فرحانة"، أسعدتني كلماته، بل أذابت قلبي ذوباناً ، فتماسكت أمام الصغير وأظهرت الفرح أمامه وقلبي يتأرجح بين سعادتي بكلماته و قلقي من التقرير. بكى قلبي من الداخل و سأل  الله أن لا يعيد الأحزان من أجل قلب محمد الصغير لكي يراني" مبسوطة وفرحانة".

بالنسبة للأورام ،الحمدلله طمأنني الأطباء أنه مبدأياً هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على احتمالية أن تكون هذه الأورام حميدة بأمر الله  وليست خبيثة، لكن بسبب تاريخي المرضي والأُسَري ووجود تغيرات في الثدي، لن نستطيع أن نأمن جانبها و سنعيد الرنين المغناطيسي لمتابعتها للتأكد أنها فعلاً حميدة لأنه يُخشى في مثل حالتك أن يكون هناك ورم جديد في الثدي قد تعدى ووصل للدماغ. و بالنسبة للتغيرات و الأعراض التي لاحظتها فيجب أن أقوم بإعادة الفحص مجدداً للاطمئنان،
عادتي في الأمور الصحية المعقدة أحب أخذ رأي ثاني ليطمئن قلبي. ربما أيضاً لأنني لا أقتنع بسهولة لأن والدتي رحمها الله ووالدي حفظه الله أطباء استشاريين وأسرتي تعج بالأطباء ماشاء الله. لكني أتساءل  واستغرب كثيراً من موقف بعض الأطباء، مثل تلك الطبيبة التي قابلتها قبل أربعة عشر عام ورفضت عمل أشعة الموجات فوق الصوتية ( التفاصيل في الحلقة الأولى )، ماذا كانت ستخسر؟ لاشئ، أما أنا فلولا فضل الله وعنايته لكنت في عداد الموتى ولخسرت حياتي لا قدر الله، إذا كنت اتبعت رأيها بسبب عدم التشخيص المبكر لمرض سرطان الثدي. 
وفِي هذه الأيام أمر بتجارب مشابهة مع أطبائي فمنهم من قال لي ننتظر ستة أشهر أو " أنسي الموضوع و حانعيد الرنين بس لأنك قلقانة"!!!!!! أتفهم رأي الانتظار لمدة ستة أشهر و لكني لا أستطيع استيعاب قول من طلب مني نسيان الموضوع! سألتهم وهل تضمنون أن هذه الأورام حميدة مئة بالمئة أو أن هذه الأعراض ليس لها علاقة بالسرطان لكي أطمئن و أنساها و " أطنش"؟ طبعاً أجابو بلا ،فلا شئ مضمون في الطب مئة بالمئة و الضامن هوَّ الله. إذا كان الموضوع ليس مضموناً مئة بالمئة فكيف تطلبون مني أن "أطنش و أنسى"، فلماذا لا نعيد الفحص أو نأخذ عينة أو حتى نزيل الورم( وهذا كان الرأي الثاني الذي أخذته والحمدلله أنني أخذته)،لماذا نبقى على الشك في أمر خطير فهذا سرطان و ليس نزلة برد أو زكام.قال أحدهم ( و العلم عند الله)، يمكنني أن افترض أن الورم حميد بنسبة ثمانين بالمئة و خبيث لا قدر الله بنسبة عشرون بالمئة، وهل العشرون بالمئة نسبة بسيطة لمرض خطير؟ التكلفة المادية أو المعنوية التي ستتكبدها المستشفى بحجز موعد لعمل فحص أو إجراء طبي إضافي للاطمئنان ستكون أقل بكثير من تكلفة علاج السرطان إذا تبين أن هناك سرطان لاسمح الله، الوقاية تكلف أقل بكثير من العلاج جهداً ووقتاً وصدق من قال: الوقاية خير من العلاج.

كان أحد أطبائي في كندا يقول لي بالنسبة لسيدة مثلك عوامل الخطورة لديها مرتفعة، إذا ظهرت عليك أي أعراض مقلقة فسنعتبر أن هناك مشكلة ما يثبت خلاف ذلك. وهذه القاعدة التي اتبعها مهما قال الأطباء من حقي الاطمئنان والمحافظة على حياتي. الأطباء وما يقولونه " على عيني و رأسي" لكن الأطباء بشر تارة يصيبون و تارة يخطأون وليسو معصومين من الخطأ وهذا ما كانت تردده أمي رحمها الله تعالى وهيَّ طبيبة ماهرة، قد يخطأ الطبيب و يكون المريض على حق و لقد حصل لي ذلك مراراً وتكرارً خلال السنوات الماضية و سأكتب عن ذلك بالتفصيل في الحلقات القادمة.

أتفهم أن الطب مدارس وآراء و لا أقلل من كفاءة أطبائي،فكلهم مشهود لهم بالمهارة و الخبرة، فهم بالتأكيد يستندون في أي قرار لهم على أدلة علمية وتجارب عملية معروفة عالمياً  لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان الخيار الأضمن موجود لماذا لا نلجأ له بعد الله تعالى؟ 
بالنسبة لحالتي يوجد ثلاث خيارات طبية وواحد منهم وإن كان أصعب سيكون أضمن بعد الله تعالى، العينة و الجراحة. من المهم أن يعرض الطبيب للمريض كل الخيارات المتاحة و يحترم رغبة المريض وما يجعل قلبه مطمئناً.

عندما أعدت التأمل في اجتماع الأحداث في الشهر الماضي وعندما بدأ التشاؤم يدق بابي،استعذت بالله تعالى و تفاءلت بالخير، وواجهت هذه الأفكار قائلة لنفسي: ألم يكرمك الله تعالى و ينجيك أربعة عشر عاماً مضت ماشاء الله، وكان يأتي السابع و العشرون من ديسمبر كل عام ويمر بسلام بفضله تعالى دون تشخيص جديد، ألم يمد الله في عمرك لتربي أبناءك  وأكرمك برؤيتهم يكبرون بعد أن كنت تخافين الرحيل إذا لم يتم شفاؤك عندما كانوا صغاراً.الحمدلله دائماً و أبداً الذي أكرمني بالصحة  و العافية، أسأله أن يديمها كما أدامها أعواماً خلت.


ملاحظة:لكتابة تعليق الرجاء الضغط على عنوان المقال بالأعلى أو كلمة تعليقات أسفل المقال ليظهر المكان المخصص للتعليقات.


السبت، 19 يناير 2019

شتاء في ربيع العمر: الحلقة الثانية


 شتاء في ربيع العمر: الحلقة الثانية
              
السابع والعشرون من ديسمبر 
27/12/2004

وجاء اليوم المحدد لأخذ العينة وإجراء العملية الجراحية. قبلت صغاري واحتضنتهم وشممتهم مودعة وسائلة الله السلامة والعافية من أجلهم. ذهبت قبلها لقسم الأشعة لعمل ما يُسمى ب Localization لتحديد موقع الورم عن طريق أسلاك حديدية تنتهي بخطاف يتم غرسه في الورم عن طريق تتبع موقعه بالموجات فوق الصوتية، ويساعد ذلك الطبيب الجراح للوصول للورم مباشرة بتتبع الأسلاك، فلا يضطر لعمل فتحة كبيرة للبحث عن الورم. كانت عملية التحديد مؤلمة بعض الشي، بالذات وأنا أشاهد الأسلاك أثناء غرسها في جسدي وأرى قطرات الدم المنسكبة أمامي. فجأة لاحظت ارتباك الطبيبة وأخذتني لعمل أشعة الماموجرام، خرجت من هناك وفي ثديي اثنين من الأسلاك المعدنية، لم أهتم بما حدث، ولكن ما يهمني الآن العينة والجراحة، ذهبت مسرعة للمستشفى لإجراء العملية. تمت تهيئتي وأخذي لغرفة العمليات، كانت أنوار كشافات غرفة العمليات تنعكس في عينيَّ، بدأت تخفت مع ابتداء مفعول المخدر وأنا أدعو الله وأقرأ آية الكرسي والمعوذات والأذكار ليطمئن قلبي، فشعور بداية فقدان الوعي مع التخدير يفزعني، بدأت أغيب عن الوعي وصوت أبي الغالي يرن في أذني بالأذكار فلقد حفظتها منذ نعومة أظافري عن ظهر قلب سماعياً من كثرة ترديده لها. غبت عن الوعي وأنا لم انته من أذكاري بعد.

أفقت من العملية شعرت بثقل وألم شديدين في ثديي، يبدو أنه تم إجراء عملية جراحية كاملة ولم يكن الموضوع خزعة فقط. كنت خائفة جداً أن يكون قد تم استئصال الثدي كاملاً, لكن على ما يبدو أنه قد تم استئصال الورم فقط.  وجدت أبي الغالي وزوجي بجانبي، رغم أنني كنت تحت تأثير المخدر، إلا أنني لاحظت تغيراً في قسماتهم، ورأيت مسحة حزن تعلو وجوههم، ماذا حدث وما الخطب يا ترى؟ توجهت بسؤالي لهم، كانت إجابتهم أنهم كانوا قلقين وينتظرون إفاقتي. سألت عن النتيجة، قالوا لي سيمر عليك الطبيب في المساء لنعرف النتائج سوياً. تم نقلي لغرفتي الخاصة. كان انتظار المساء لمقابلة الطبيب أمراً صعباً، دعوت الله كثيراً أن يطمئن قلبي وأن ينزل سكينته علي، خلدت للنوم بسبب تأثير المخدر فمضى الوقت سريعاً.

التشخيص و الصدمة

 استيقظت على طرق الباب ودخول الممرضات وقولهم الطبيب هنا، ارتديت حجابي وقلبي يخفق بسرعة وبشدة وكأنه سيخرج من صدري، تصبب العرق على جبيني وكانت يداي ترتجفان، أهوَّ القلق أم إرهاق ما بعد الجراحة أم لأنني لم أستطع النوم ليلة الأمس.

بدأ الطبيب في الحديث: حمداً لله على السلامة، لقد أخذنا عينة وبسبب نتيجتها، قمنا بإزالة الورم ووجدنا أنه ورم خبيث، أنت مصابة بسرطان الثدي. زوجك طلب مني أن يكون هوَّ من يبلغك، لكنني أحب إبلاغ مرضاي بنفسي.
هكذا وبدون محاولة لتلطيف الجو وبدون مقدمات، أهداني الطبيب خبر إصابتي. 
وقع الخبر عليَّ كوقع الصاعقة شعرت بدوار شديد وضيق في صدري وانهمرت الدموع من عينيَّ وأنا لا أرى أمامي سوى صورة صغاري الرضع، ألهمني الله تعالى أن أقول" اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها”، فهذا ما كانت تفعله أمي الغالية رحمها عند حلول المصائب، ولعل قوتها وثباتها ورضاها بالقضاء والقدر كان من أقوى وأهم الدروس التي غرستها فينا في تربيتها لنا وكانت خير قدوة لنا في ذلك. كان أطباؤها يسمونها المرأة الحديدية. تذكرت كيف كانت إذا شعرت بالألم تقول يا الله و يا حيَّ يا قيوم برحمتك أستغيث, بدلاً من قول آه, وبدأت أتماسك.
أكمل الطبيب حديثه قائلاً: "لكن الخبر الجيد أننا اكتشفنا المرض في مرحلة مبكرة جداً والخبر السيء أن الورم نشط جداً وسريع الانتشار
والورم من نوع 
Invasive Ductal Carcinoma
 أنصحك بعدم السفر لأن الدخول للنظام الصحي في كندا صعب في البداية وستحتاجين الدعم أثناء علاجك وأنت معك طفلين صغيرين بالذات إذا قرر أطباء الأورام أن عليك تلقي العلاج الكيمياوي ولكني اعتقد أن الورم صغير جداً، فلا تجعليهم يضحكون عليك ويعطوك علاجاً كيماوياً. لقد تم استئصال الورم فقط وليس الثدي كاملاً لكن يجب أن تفكري مستقبلاً باستئصال الثديين كإجراء وقائي بسبب صغر سنك وبسبب التاريخ الأسري وعليك أيضاً إجراء الفحص الجيني. لم أكن أحتاج أن اسمع هذه العبارات الأخيرة فيكفني الآن وقع الصدمة بعد معرفة التشخيص.
خرج الطبيب وأنا مازلت أبكي، احتضنت والدي وزوجي ونحن يعلونا الصمت، فما عسانا أن نقول تحت وقع هذه الصدمة. 

حاول زوجي أن يتماسك، وقال: ستكونين بخير، الحمد لله أنه تم اكتشاف المرض مبكراً وربنا أكرم الأكرمين، لا تبكي ولا تحزني. أعرف أن أسلوب الطبيب لم يكن جيداً في نقل الخبر لك وليتني لم أستجب لطلبه وقمت أنا بإبلاغك بدلاً عنه.

وكيف لي ألا أبكي وكيف لي ألا أحزن، الحمد لله على كل حال ولكن ما بلغ مسامعي للتو كان خبراً صاعقاً، تذكرت أمي رحمها الله ومعاناتها مع المرض وكيف كانت معاناتنا بعد فقدها ولا أريد أن يعاني أبنائي، تذكرت الألم والمعاناة والموت ودعوت الله أن يربط على قلبي. رغم مرض أمي ووفاتها، لم أفكر من قبل أنني في يوم ما قد أصاب بنفس مرضها حاولت توجيه تفكيري باتجاه آخر وقلت ولا يعني بالضرورة أن مرضك ومعاناتك ستكون بنفس درجة ومعاناة أمك رحمها وأصابتك بالمرض لا تعني الموت 
فقد مرت عليَّ قصص سيدات نجاهن الله من المرض. تذكرت أيضاً أن سبب وفاة والدتي هوَّ سرطان المبيض وليس سرطان الثدي، فلأحسن الظن بالله وسيكون الله تعالى عند حسن ظني.
مما أحزنني أيضاً، هوَّ أنني على الأغلب لن أسافر مع زوجي إلى كندا وسيتشتت شمل أسرتنا. 
كانت ليلة ليلاء تلك التي قضيتها في المستشفى.
وحل الشتاء

جاء اليوم التالي، وخرجت من المستشفى وكلي شوق لصغاري، عدت للمنزل وأخذتهم في أحضاني قبل أن أخلع عباءتي، كان احتضانهم وحملهم صعباً ومؤلماً بسبب جرح العملية ورغم أنه بسيط، إلا أنني أشعر بآلام رهيبة في القفص الصدري.

الحزن يخيم على جميع من في المنزل، وبعد النقاش قررت أن أبقى في جدة لتلقي العلاج. لم يبق إلا أيام قلائل على موعد سفرنا المقرر، كان عليَّ الآن أن أبدأ بفصل أمتعتي أنا والأولاد عن أمتعة زوجي. لم تكن هذه العملية سهلة أبداً، كنت أفصل أمتعتنا وكأنني أفصل أجزاءً من قلبي، ألملم أغراضي وألملم معها ألمي وحزني ومشاعري المختلطة المبعثرة. كلما جالت في خاطري الأفكار وانهمرت الدموع من عيني كالأمطار كنت أسجد لله تعالى وأدعوه أن ينزل اللطف مع قضاءه ويهون عليَّ رحلتي القادمة.

تذكرت أن صديقتي رأت أثناء حملي رؤية، رأت فيها أمي في برج عالي صعدت إليه بشق الأنفس وعندما وصلت لأعلى البرج استراحت، رأتني وأنا أصعد لأمي بمشقة بالغة إلى أن وصلت واسترحت معها. سألت صديقتي عن تفسير هذا الحلم ففسروه لها أنني قد أُبْتلى مثل والدتي وعسى أن يكون تفسير ذلك أن بصبرنا على الابتلاء سيبلغنا الله أجراً عظيماً ومكاناً عالياً في الجنة. قالت لي ذلك مخففة عني الحزن و الألم الذي كنت أقاسيه في حملي فحينها ظننت الابتلاء هوَّ ما كنت أواجهه الآن في حملي، ولَم يخطر على بالي أنني سأُبتلى بنفس ابتلاء أمي، مرض السرطان.
واجهت في حملي بما يسمى بفرط القيء في الحمل   Hyperemesis Gravidarum ويسميها زوجي الحالة الكئيبة وتصل مرات القيء إلى أربعين مرة في اليوم ويتطلب ذلك التنويم بالمستشفى لأخذ المحاليل بالذات في الست الشهور الأولى من الحمل، كنت أصاب بجفاف شديد ويصعب على الممرضات إيجاد وريد لوضع المحاليل ويلجؤون لساقي بدلاً من ذراعي.  تستمر مشكلة فرط القيء عندي أثناء الولادة وتستمر شهراً بعدها. أتذكر أنني مرة مكثت شهراً متواصلاً في حملي الأول. وكان وزني يتناقص حوالي عشرون كيلوجراماً.
كان تفسير الأطباء أن هذا هوَّ تفاعل جسدي مع تغير مستوى الهرمونات. لم تجدي معي جميع الأدوية 
إلا دواء واحد لا يباع إلا في كندا كان منقذاً لي بعد الله تعالى وخفف عني كثيراً والحمد لله يسر الله وجود أحد الأقرباء المبتعثين لدراسة الطب في كندا، فقد كان يشحنه لنا مشكوراً إلى السعودية خلال حملي الأول والثاني. تعبت كثيراً في حملي لكنني كنت موقنة أن لله حكمة من هذا الابتلاء، ربما يعدني لمواجهة أمرٍ ما أشد وأصعب. عرفت هذه الحكمة يوم إصابتي بالسرطان.
تذكرت أيضاً صديق زوجي الذي اتصل ليطمئن على زوجي بعد تشخيصي، وهوَّ لا يعلم عن مرضي شيء 
وأخبر زوجي أنه رآه في المنام يواجه حريقاً كبيراً. لعل ذلك الحريق هوَّ السرطان الذي غزا أسرتنا الواعدة وشتت شملها.
كنت أخشى شتاء كندا القارس لكن الآن حل شتاء قارس في ربيع عمري، شتاءٌ من نوع آخر. نحن في فصل الشتاء فعلياً لكن شتاء جدة ربيع لطيف، ولكنني كنت أعيش برد الشتاء وادعو الله أن يداويني ببرد اليقين.


ملاحظة:لكتابة تعليق الرجاء الضغط على عنوان المقال بالأعلى أو كلمة تعليقات أسفل المقال ليظهر المكان المخصص للتعليقات.

السبت، 12 يناير 2019

شتاء في ربيع العمر:الحلقة الأولى

الحلقة الأولى
البداية: الظهران


 بدأت أحداث قصتي في مدينة الظهران بالمنطقة الشرقية، قبل أربعة عشر عاماً, عندما كنت في نهاية عامي الثالث والعشرين وأم لطفل  يبلغ من العمر ثمانية عشر شهراً ورضيع  يبلغ من العمر ثلاثة أشهر ومضى على زواجي حوالي ثلاث سنوات تقريباً.
كان زوجي قد أنهى مرحلة الماجستير وحصل على قبول في جامعة واترلوو بكندا لتحضير درجة الدكتوراة. بدأت حزم أمتعتي وإخلاء منزلي. كان همي الأكبر في تلك الفترة هوَّ إيجاد صناديق فارغة لأملأها بأغراضنا المتناثرة في أرجاء المنزل.  
بالرغم أننا لم نسكن مدة طويلة في هذا المنزل، فقد سكنَّا فيه أقلَ من عامين، إلا أن الأغراض تعد نوعاً ما كثيرة بسبب وجود طفلين صغيرينحمدت الله أنني سمعت نصيحة خالتي الغالية ولم أؤثث المنزل واكتفيت بأثاث سكن الجامعة البسيط، حيث أنني كنت أعلم أن سكننا هنا سيكون مؤقتاً وسنسافر للبعثة
كان المنزل عبارة عن ساحة مليئة بالصناديق التي اتخذها صغيري لعبة، فتارة يختبئ داخلها ومرة يضع ألعابه داخلها ولكن الكارثة العظمى, هيَّ عندما  يستخرج كل ما قمت بترتيبه من داخل أحد الصناديق أو حقائب السفر، ثم يصفق فرحاً بإنجازه المضاد لإنجازي. كانت متعة بالنسبة له تعلو على متعة اللعب بألعابه المعتادة.
كان العمل على قدم وساق ما بين ترتيب وركض وراء طفلي أو اهتمام برضيعي، الذي كنت أحياناً اضطر لحمله في حمالة الأطفال وأنا أرتب الأغراض لأحميه من أخيه الذي كان يظنه دمية للعب وليهدأ ويشم رائحتي فينام هانئاً قرير العين على صدري.
كان همي الآخر التسوق لشراء ملابس شتوية لتقينا من برد كندا القارس، فنحن سنسافر في شهر يناير حيث يشتد الشتاء. صديقتي الغالية أبرار التي سبقتني إلى كندا، واستقرت في مدينة فانكوفر التي تعد من أدفأ المناطق في كندا، ورغم ذلك لازلت أتذكر مكالمتها لي وهيَّ تصف  لي شتاء كندا القارس، وكيف أصابتها صدمة عند خروجها من باب المطار من لفح الهواء البارد ومن منظر الثلوج البيضاء التي تغطي كل شيء
مجرد تذكري لكلمات أبرار يشعرني بالبرد وكأن ذلك الهواء البارد يلفح وجه.
كان أمر الترتيب والتسوق صعباً مع انشغالي بصغاري، وفِي أوج انشغالي شعرت بوخز غريب كوخز الإبر في ثديي الأيمن، استمر وتكرر لعدة أيام وبدأ القلق يدب في نفسي.  تذكرت أمي رحمها الله وإصابتها بسرطان الثدي وأنا بالمرحلة الابتدائية. لم أكن متشائمة ولكن الاحتياط واجب، فإصابة قريبة لي من الدرجة الأولى يجعلني أكثر عرضة للإصابة من غيري. والشيء الذي جعلني متفائلة أكثر هوَّ أنني صغيرة بالسن، فقد كنت أحسب أن هذا المرض يصيب النساء اللاتي أعمارهن فوق سن الأربعين.تذكرت أيضاً إصابة أمي رحمها الله بسرطان المبيض وأنا بالمرحلة المتوسطة، وكيف أنه كان هناك اشتباه في كيس صغير في المبيض
 وكان عليها متابعته ولكن قدر الله وماشاء فعل، انشغالها بعملها كطبيبة وأستاذة جامعية وانشغالها بِنَا كأم، أثناها عن المتابعة، حتى تفاقم المرض وانتشر وأدى إلى وفاتها. في ذلك الزمن، قبل ما يقارب خمسة وعشرون عاماً، لم يكن هناك وعي حول ارتباط سرطان الثدي والمبيض لدي السيدات الشابات اللاتي أصبن بسرطان الثدي قبل سن اليأس ولديهن عامل وراثي. ولم تكن هناك توعية كافية حول أهمية فحص المبيض مع فحص الثدي أو اقتراح عمل عمليات جراحية وقائية لتجنب خطر الإصابة بسرطان المبيض. ما حدث لأمي رحمها الله, كان درساً قاسياً جعلني أفكر مراراً و تكراراً في أن أقوم بأخذ استراحة من الترتيبات و أذهب للطبيبة للاطمئنان.
كنت أتنقل بين الأسواق مع صديقة عزيزة لشراء الملابس الشتوية، أخبرتها في ذلك اليوم أنني أنوي الذهاب للطبيبة. وجاء ذلك اليوم، وذهبنا سوياً ونبضات قلبي تتسارع وأنا في غرفة الانتظار. عندما جاء دوري أخبرت الطبيبة بمخاوفي وبوجود تاريخ أسري، وأن لديَّ أقارب من الدرجة الأولى أصبن بسرطان الثدي، لكن كان ردها، أنت شابة صغيرة وعمرك ثلاثة وعشرون عاماً ومن الطبيعي أن تشعري بآلام كأم مرضعة وسرطان الثدي يأتي عادة ًبدون ألم، وأيضاً لم أَجِد أي كتلة محسوسة.
أخبرتها أن هذه الآلام تختلف عنما عهدته في طفلي الأول وطلبت عمل أشعة الموجات فوق الصوتية لكنها رفضت. خرجت إلى صديقتي وأخبرتها بما حدث وأنني لازلت قلقة وأريد عمل الأشعة ولكن انشغالي الشديد في هذه المرحلة الانتقالية بدد غيوم قلقي.
تذكرت قبل الشعور بالألم، أنني أُصبت بطفح جلدي شديد وتشققات مؤلمة ونازفة، وكان التشخيص التهاباً فطرياً انتقل لي من فم المولود الجديد أثناء الرضاعة. كانت مواجهة هذا الالتهاب أليمة، استمرت لأشهر، حاولت الصمود لكي استمر في إرضاع مولودي لمعرفتي بفوائد الرضاعة الطبيعية وأهميتها، وأثرها الإيجابي على الصحة الجسدية والنفسية للمولود حالياً ومستقبلياً

في جدة
مر شهرين من زيارتي للطبيبة، انتقلنا إلى جدة لنودع الأهل والأحباب قبل سفرنا إلى كندا. كان ذلك في نهاية شهر ديسمبر من عام 2004 وكان موعد سفرنا هوَّ الرابع من شهر يناير للعام 2005
مازال الألم موجوداً في ثديي الأيمن ولَم يفارقني، لكن شدة الانشغال جعلتني أتجاهله. تحدثت مع أبي الغالي فنصحني أن أذهب لعمل أشعة الموجات فوق الصوتية، ففي كلا الحالين لن أخسر شيئاً بإذن الله، إن كانت النتيجة سليمة فالحمدلله , وإن كانت هناك مشكلة فالاكتشاف المبكر أفضل وقال لي اذهبي و اطمئني يا ابنتي، لا نريد أن تتكرر مأساة والدتك رحمها الله.
ذهبت للموعد المنتظر وبدأت الطبيبة بالفحص وكانت الطبيبة التي أجرت لي هذا الفحص هيَّ نفسها التي أجرت لي الفحص الأول لرؤية الجنين وسماع نبضه في حملي الأول منذ عامين تقريباً، استبشرت خيراً فهنا ,في نفس هذا المكان كانت إحدى بدايات فرحتي الأولى و هنا لاحت لي تباشير الأمومة عندما سمعت نبضات قلبه للمرة الأولى.
لكن حدث ما كدر صفو تفاؤلي، عندما أعادت الطبيبة سؤالها مرة أخرى، " أنت عمرك ثلاثة وعشرون ، صح ؟ " فأجبتها بنعم ، تغيرت قسمات وجهها وقالت أنت صغيرة و خير إن شاء الله.  ما أراه ليس مطمئناً ،يبدو أنها كتلة صلبة جدارها يبدو غير منتظم، أرجو منك مراجعة الطبيب الجراح و عمل أشعة الماموجرام.
تم حجز الموعد مع الطبيب يُعد من أفضل المتخصصين في مجال جراحة الأورام بالذات جراحة أورام الثدي
عدت لشقة أهل زوجي في جدة. فقد جاءوا ليسلموا علينا قبل السفر، وهناك انتقلت الصناديق والحقائب التي في الظهران، فعليَّ القيام بفرزها لترك البعض في منزل والدي والآخر في منزل أهل زوجي وما تبقى سيكون من ضمن أمتعة السفر أو الأمتعة التي سيتم شحنها إلى كنداكان المكان مزدحماً متكدساً بالأغراض كتكدس تلك الأفكار في رأسي. كنت أحاول الهروب من هذه الأفكار بالغوص في أعماق أمتعتي المتناثرة كانت لدي قائمة بزيارات للأقارب والصديقات للوداع قبل السفر. قد يساعد الانشغال أحياناً في حالات التوتر والقلق، لكن وإن طال الهروب فالمواجهة قادمة لا محالةكنت أعد الأيام قبل موعدي مع الطبيب.
فأنا أريد الانتهاء من هذه القضية والاطمئنان بسرعة، فقد تبقت أيام قلائل على موعد سفرنا.
وجاء الموعد المنتظر وقابلت الطبيب. كنت متوترة قلقة من الفحص لأنه طبيب وليس طبيبة، وبالرغم من أنه رجلٌ وقورٌ بعمر والدي تقريباً، إلا أنني كنت في قمة الأحراج أثناء الكشف، فهذه المرة الأولى التي اضطررت أن أكشف فيها عند طبيب رجل على منطقة خاصة من جسدي، 
ولكن لم يكن لدي خيار آخر وهذه ضرورة. دعوت الله وقتها بأن يسترني بستره. أخبرني الطبيب بأنه لا توجد كتلة محسوسة، 
ولكنه لم يكن مطمئناً من نتيجة الموجات فوق الصوتية بسبب شكل وطبيعة الكتلة المرئية، وأكد على ضرورة عمل أشعة الماموجرام وأشعة الرنين المغناطيسيأخبرنا أنها ستعطينا دلائل أكثر عن طبيعة الكتلة التي تم اكتشافها. وأخبرنا أن التصوير بالرنين المغناطيسي أفضل وأدق للسيدات الشابات اللاتي تقل أعمارهن عن سن الأربعين واللاتي لديهن تاريخ أسري لسرطان الثدي. أكد الطبيب أيضاً أنه يجب أخذ عينة من الكتلة، فالاحتياط واجب مع تاريخي الأُسَري. قام بتحويلنا لعمل أشعة الماموجرام والرنين المغناطيسيكنت قلقة بعض الشيء من هذه الفحوصات التي سمعت عنها ولا أدري كيف يكون إجراؤها.
أصبحت مشتتة بين حزم الأمتعة وفرزها والقيام ببعض الزيارات وبين مواعيد المستشفى التي لها الأولوية.وجاء موعد الماموجرام  والحمدلله أن القائمات على القسم سيدات، لكي لا أتكشف مرة أخرى
ارتديت قميص المستشفى المفتوح من الأمام ووقفت أمام ذلك الجهاز ساعدتني الممرضة في الوقوف وقفة صحيحة وطلبت مني عدم التحرك وقامت بشرح العملية لي. الجهاز سيتم ضبطه بحيث يقوم بضغط الثدي ليصبح منبسطاً، مما يسمح للأشعة السينية باختراقه للتصويروعندما بدأ عمل الجهاز كان الضغط مؤلماً أكثر من توقعاتي لكن كما يقولون " ألم ساعة ولا كل ساعة"، ألم الضغط للحظات قصيرة سيكون بالتأكيد أخف بكثير من مرض السرطان إذا لم يتم اكتشافه في مرحلة متقدمة.
لازلت أذكر تلك اللحظات، برودة الغرفة، رائحتها وتفاصيلها. بعد انتهاء الفحص طلبت مقابلة طبيبة الأشعة، وأخبرت فنية الأشعة أن سفري لكندا بعد أيام. أخذتني للطبيبة وشعرت ببعض الاطمئنان عند رؤيتها فهيَّ زميلة عزيزة لوالدتي الغالية رحمها الله 
وكانت أمي تحبها كثيراً و تثق في رأيها فترة مرضها  .ووقفت أمام شاشات عرض صور الأشعة، كررت الطبيبة نفس السؤال الذي أصبح يتكرر في كل موعد أو فحص مؤخراً، " أنت تقريباً في الرابعة والعشرون من عمرك، صحيح"، قلت: نعم، نظرت لي وصمتت لبرهة وقالت: الكتلة متكلسة و يجب أخذ عينة منها والحمدلله أننا استطعنا أن نراها لأنك أم مرضعة 
 وامتلاء قنوات الحليب لديك قد يؤثر على التصوير. شكرت الطبيبة توجهت لعمل موعد أشعة الرنين المغناطيسي
للأسف المواعيد بعيدة جداً. عدت للمستشفى الآخر للطبيب الجراح واكتفى بالفحوصات التي أجريتها وحدد موعد أخذ العينة 
وإزالة الورم حسب نتيجة العينة. كان الموعد في السابع و العشرون من شهر ديسمبر،في قبل موعد سفرنا بأسبوع
كانت أسئلتي كلها تدور حول مدة التعافي بعد الجراحة وهل يمكنني أن أسافر مباشرة؟ هل يمكنني ارتداء حمالة الأطفال لحمل صغيري أثناء السفر، رغم كل المؤشرات التي لم تكن مطمئنة، كنت استبعد احتمالية أن يكون ذلك ورماً خبيثاً، لحسن ظني في الله أولاً ثم كنت متفائلة بسبب صغر سني، وكنت متحمسة للسفر وللمرحلة الجديدة التي أنا مقبلة عليها.
أخبرني الطبيب أنه يجب أن أتوقف عن الرضاعة لتهيئتي للعملية الجراحية، وكتب لي دواءً لتجفيف الحليبحزنت جداً لحرصي على إرضاع صغيري وحزنت أكثر أن فطامه سيكون قاسياً بهذه الطريقة المفاجئة ودون تدرج أو مقدمات وهوَّ لم يتجاوز خمسة أشهر. حزنت جداً فالرضاعة الطبيعية هيَّ من أفضل ما يمكن أن تقدمه الأم لصغيرها، 
وهيَّ ليست مجرد غذاء بل هيَّ من أهم مقومات علاقة الحب التي يتم بناؤها لتستمر وتكبر مع الطفل في جميع مراحل حياته،
بكل ما فيها من لمسات ونظرات وضحكات، فتؤدي على الارتباط العاطفي السليم بين الأم والطفل وتؤدي إلى نمو طفل صحي جسدياً ونفسياً. سألت الله أن يعوض صغيري خيراً، فما باليد حيلة.
عدت للمنزل وبدأت في أخذ الدواء، أصابتني أعراض جانبية شديدة منهعانيت من قيء وغثيان شديدين، ولَم أستغرب ذلك فجسدي يتحسس كثيراً من التغيرات الهرمونية وهذا ما واجهته في حملي.
 كنت أحمل صغيري لإرضاعه من القارورة فيرفضها ويبكي بكاءً شديداً، نصحتني الطبيبة أن يقوم أحد غيري بإرضاعه لأنه كلما شم رائحتي سيبكي اشتياقاً لحليبي وسيكون ذلك صعباً عليه. تناوبت أم زوجي وأخواته في إرضاعه وكان ينظر لهم ويبكي ويرفض الرضاعة. كانت فترة عصيبة علينا جميعاً.